انتهت تلك الأم من إعداد وجبة الفطور لطفلتها، وأعطتها إياها لتلهيها بها، داعية الله ألا يصل
الأكل لأبعد من شعرها وملابسها والطاولة الصغيرة!
أمسكت بهاتفها وأخذت تقلب سريعا بلا هدف، رأت منشورا لصديقتها تحكي عن نشاط أعدته
لابنها تبدو الصورة رائعة، همهمت: «كم هي مجتهدة صديقتي، بل كم هي محظوظة، كيف تستطيع
أن تجلس ابنها هكذا ليتم نشاطه بسلام، وبهذه المهارة دون أن يقذفه بقدمه كالكرة أو يشده
بأسنانه حتى يقطعه؟ عبقري؟ ربما..».
استمرت في التقليب.. هذا طفل يحفظ أسماء كل دول العالم، تلك طفلة تستطيع القراءة وهي دون الثالثة،
وهذا وهذا وهذا.. انتبهت لصوت طفلتها معلنة انتهاء المعركة، تنهدت وأخذتها لتحممها
سريعا ليبدأ يومهم.. ماذا نفعل سويا اليوم يا جميلتى؟ لننفذ هذا النشاط، لا تريدين؟
إذن ما رأيك في هذه الأداة؟ لماذا تلقينها هكذا؟ حسنا نقرأ كتابا؟ أهكذا نعامل الكتب؟
لقد تمزق، وينتهى اليوم بحالة من الإحباط لتلك الأم وهي تشعر بالفشل والخذلان،
أريد مصلحتك يا بنيتي، أريدك عبقرية ومتميزة مثل كل هؤلاء الأطفال.
هل يبدو هذا مألوفا؟ إذن فلنتمهل قليلا ونتساءل: ما الذي يجعل الإنسان عبقريا؟
هل التقدم الأكاديمي للطفل في مدرسته هو ما يحدد مستوى ذكائه؟ أم أن للأمر علاقة
بكم المعلومات التي يحصلها؟ هل المقياس الحقيقي للعبقرية هو الذكاء المعرفي IQ؟
أم هو الذكاء العاطفي EQ؟
هل العبقرية بالوراثة؟ أم هي شيء يكتسب ويُحصّل بالجهد؟
من هو العبقري؟
طبقا لمنظمة Mensa، وهي أعرق منظمة للعباقرة على مستوى العالم: العبقري
هو من يزيد مستوى ذكائه المعرفي IQ عن 98% من البشر، أي إنه من فئة نادرة نسبتها
لا تتعدى 2% استطاعوا اجتياز امتحان مستوى الذكاء بدرجة مرتفعة. أما قاموس أكسفورد
فهو يترجم لفظ genius (العبقري هو شخص ذو ذكاء استثنائي أو عنده مهارة استثنائية).
لكن هل كل شخص ذو ذكاء معرفي IQ مرتفع بالضرورة سيكون ذا مهارات حياتية مرتفعة؟
هل مستوى ذكائه المرتفع هذا سيجعله إنسانا أفضل؟ هل سيكون أسعد؟
لكي يحقق البشر أي هدف والوصول إليه عليهم أولا أن يسألوا أنفسهم (لماذا؟) أريد تحقيق
هذا الهدف قبل (كيف؟) سأحققه! فاسأل نفسك أولا لماذا تريد بشدة أن يلحق طفلك بركب
العباقرة، وبعد أن تصل لإجابة مرضية انتقل للسؤال التالي (كيف؟).
كيف يصبح طفلك عبقريا؟